آخر الاخبار

2024/03/07
السيارات الكهربائية وجدال تلوث البيئة

السيارات الكهربائية وجدال تلوث البيئة 

إعداد: المهندس تركي حسن حمش 


في شهر مارس 2020، نشرت شركة Emissions Analytics البريطانية بياناً إخبارياً على موقعها الرسمي جاء فيه: إن الانبعاثات الصلبة الناتجة عن إطارات السيارة، أسوأ 1000 مرة من تلك الناتجة عن العادم. ومع أن البيان تضمن العديد من التفاصيل التي تبرر ذلك الرقم، إلا أن الاهتمام الإعلامي انصب على الرقم 1000 فقط، مما دفع العديدين لمحاولة تفنيد جزء من أرقام ذلك البيان واصفين إياه بأنه بالغ كثيراً في اتهام السيارات الكهربائية بأنها ملوثة للبيئة أكثر من السيارات العادية. 

والواقع أن البيان الذي أصدرته الشركة لم يشر إلى أن السيارات الكهربائية هي الملوث الأكبر للبيئة، بل لم يذكر السيارات الكهربائية عامة إلا مرة واحدة فقط في غضون الإشارة إلى تأثير وزنها على تآكل الإطارات، حين قال: "تعد الجسيمات الضارة المنبعثة من الإطارات - وكذلك الفرامل - مشكلة بيئية خطيرة للغاية ومتنامية، وهي مشكلة تتفاقم بسبب تزايد شعبية المركبات الكبيرة والثقيلة مثل سيارات الدفع الرباعي، والطلب المتزايد على السيارات الكهربائية، التي هي أثقل من السيارات القياسية بسبب بطارياتها". رغم ذلك فإن بعض مشجعي السيارات الكهربائية لم يقبلوا مجرد ذكرها في معرض الحديث عن التلوث البيئي المحتمل. 

في شهر مايو عام 2022 قامت Emissions Analytics بتحديث تحليلها السابق، ونشرت بياناً إخبارياً آخر على موقعها الرسمي جاء فيه: إن الانبعاثات الصلبة الناتجة عن إطارات السيارة أسوأ 1850 مرة من تلك الناتجة عن العادم. وذكرت أن المركبات الحديثة التي تعمل بمحركات الاحتراق الداخلي باتت تحقق مستويات انبعاث ملوثة منخفضة للغاية بحيث يصعب قياسها، ورغم أن تلك المركبات لا تزال تسبب انبعاث كمية كبيرة من ثاني أكسيد الكربون من العادم، لكن هذا لا يؤثر على جودة الهواء في المناطق الحضرية. كما أكّدت الشركة أن أكبر مصدر للانبعاثات الملوثة من المركبات الجديدة يأتي من مصادر غير العادم، وخاصة تآكل الفرامل والإطارات، حيث من المرجح أن تكون الإطارات مصدراً كبيراً للتلوث مع تحول المستهلكين إلى سيارات أكبر وأثقل1. 

وربما كان لهذا البيان أن يمر مرور الكرام، لولا أنه عاد للأضواء مؤخراً بعد أن استشهد به مقال نشرته صحيفة Wall Street في مطلع شهر مارس الجاري2، في معرض الحديث عن مراجعة الإدارة الأمريكية لخطة ولاية كاليفورنيا لحظر بيع السيارات الجديدة التي تعمل بالبنزين بحلول عام 2035. فللحصول على موافقة فيدرالية، تدّعي الولاية أنها بحاجة إلى هذا الحظر لمنع الإضرار بالصحة العامة عند التعرض للجسيمات المحمولة جواً مثل الغبار والسخام. وقد رأى المقال أن حظر السيارات التي تعمل بالبنزين لن يقدم الكثير في مجال الحد من انبعاثات الجسيمات، بل وقد يؤدي إلى زيادتها، ذلك أن المركبات الكهربائية أثقل بنسبة 30% في المتوسط من المركبات التي تعمل بالبنزين، مما يتسبب في تآكل الفرامل ومداسات الإطارات Tread بشكل أسرع من السيارات العادية، ويتسبب في إطلاق جزيئات صغيرة سامة في كثير من الأحيان في الغلاف الجوي. 

من نافلة القول أن هناك اختلافاً في التأثير البيئي المتوقع للسيارات الكهربائية مقارنة مع السيارات التقليدية (محرك الاحتراق الداخلي) سواء إيجاباً أو سلباً، إذ ينظر البعض إلى الموضوع من زاوية حرق البنزين أو الديزل فقط، بينما يحاول البعض الآخر أن ينظر إلى الصورة الكبيرة المتعلقة بكامل سلسلة الإمداد، وهو ما سمح بتقدير أن الانبعاثات المرتبطة بتصنيع المركبات العادية وإنتاج الوقود اللازم لها، تمثل نحو 10- 20% من إجمالي الانبعاثات المرتبطة بدورة حياتها. 

وعلى عكس السيارات العادية، لا تُصدر السيارات الكهربائية انبعاثات مباشرة من عوادمها، لكن هذا لا يعني أنها خالية تماماً من الانبعاثات. ففي الواقع، توجد هذه الانبعاثات في مراحل مختلفة من دورة حياة السيارة، بدءاً من استخراج المواد الخام اللازمة لصنع البطارية، مروراً بتصنيعها، وصولاً إلى تصنيع السيارة نفسها. يرتبط حجم الانبعاثات في السيارات الكهربائية إلى حدٍ كبير بحقيقة أن بطارية السيارة الكهربائية تزن وسطياً حوالي 500 كغ وهو ما يقارب 10 أضعاف وزن خزان الوقود التقليدي في السيارات العادية.  

تتضمن عملية تصنيع هذه البطارية طيفاً واسعاً من المعادن، كالنحاس والنيكل والألومنيوم والجرافيت والكوبالت والمنغنيز والليثيوم. وعلى أرض الواقع تعادل كمية بعض هذه العناصر في السيارة الكهربائية 10 أضعاف نظيرتها في السيارة العادية، إلا أن بيانات حجم الانبعاثات الفعلية المرتبطة باستخراج وتكرير وتصنيع هذه المواد نادرة أو تكاد تكون معدومة، مما يجبر الباحثين على اللجوء إلى الحسابات الهندسية أو التقديرات التقريبية. وهذا يعني أن القول بأن الانبعاثات من السيارات الكهربائية أقل من نظيرتها العادية يبقى قولاً مستنداً إلى تقريبات أو تخمينات حسابية تعتمد على المتوسطات أو التقديرات أو حتى التطلعات المستقبلية لبعض المعاهد التي تعنى بالموضوع. وفي هذا المقام أجرى معهد Manhattan الأمريكي في عام 2023 دراسة3 تضمنت مراجعة فنية لخمسين تحليلاً مختلفاً حول الانبعاثات الإجمالية للمركبات الكهربائية في الولايات المتحدة الأمريكية، وتبين أنها تختلف عن بعضها بخمسة أضعاف أحياناً، مما يعني أن هذه التحاليل لا يمكن الأخذ بها بصورة مؤكدة. 

وإذ يشكل موضوع الانبعاثات نقطة حوار مركزية في الترويج للسيارات الكهربائية من المنظور البيئي، فقد عملت العديد من الجهات على محاولة تقدير الحجم الفعلي لهذه الانبعاثات خلال عمر السيارة الكهربائية، ومنها تقرير لشركة Volvo بعد أن قامت بدراسة على إحدى سياراتها الكهربائية ذات الدفع الرباعي، حيث خلص التقرير إلى أن الانبعاثات الإجمالية من تلك السيارة ربما تقل بنحو 30% مقارنة بنظيراتها من السيارات العادية، لكن ذلك لن يكون إلا بعد قطع مسافة 110 آلاف كم، أي ما يعادل 55% من عمر السيارة الافتراضي بحسب تقديرات الشركة. والواقع أنه حتى هذه التقديرات لشركة Volvo لا يمكن أخذها بشكل مطلق، لأن مزيج الكهرباء المستخدم في شحن السيارة لا يعكس حجم الانبعاثات الفعلية خلال كامل سلسلة التوريد. 

ويبقى من الضروري التنويه إلى أن مصدر الكهرباء التي تشحن بها السيارة الكهربائية هو أحد أهم نقاط الحوار، فإن كانت توليد الكهرباء يتم عبر محطات التوليد التقليدية، فإن المحصلة في هذه الحال تعني زيادة إجمالية في انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، مع ضياع للطاقة خلال توليد الكهرباء ونقلها وخلال عملية الشحن وقيادة السيارة.