آخر الاخبار
1 2024/01/24
الأمين العام لمنظمة أوبك، الأستاذ هيثم الغيص: تاريخ الذروات التي لم تتحقق
الأمين العام لمنظمة أوبك، الأستاذ هيثم الغيص: تاريخ الذروات التي لم تتحقق
بقلم سعادة الأستاذ هيثم الغيص، الأمين العام لمنظمة أوبك.
ظهرت فكرة ذروة إمدادات النفط، أو ما يسمى ذروة النفط، في وقت مبكر من فترة ثمانينيات القرن التاسع عشر، حيث توقع البعض استنفادًا وشيكًا في الولايات المتحدة بسبب زوال حقول النفط في ولاية بنسلفانيا. ومع ذلك، لا يزال إنتاج النفط في الولايات المتحدة والعالم يتزايد بعد مرور أكثر من 70 عامًا، عندما اكتسبت "نظرية ذروة النفط" التي وضعها الجيولوجي ماريون كينج هوبرت قوة دفع في عام 1956.
وتوقع هوبرت ذروة عالمية في إنتاج النفط الخام حوالي عام 2000 عند مستوى 34 مليون برميل يوميا. وفي الواقع، تم الوصول إلى هذا المستوى في عام 1967، وكان الإنتاج العالمي من النفط الخام أكثر من 65 مليون برميل في اليوم بحلول مطلع القرن.
ثم ما لبثت أن عادت المناقشات حول ذروة إمدادات النفط مرة أخرى في فترة التسعينيات والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حيث ذكر الجيولوجي كولن كامبل في أواخر التسعينيات أن إنتاج النفط العالمي سيبلغ ذروته في عام 2004 أو 2005 تقريبًا، وبعد ذلك سيتعين على العالم الاعتماد على النفط المتضائل باستمرار والأكثر تكلفة، مع عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي. وفي عام 2006، قال ممول النفط ماثيو سيمونز إن إنتاج النفط العالمي ربما بلغ ذروته في عام 2005.
وعلى مر التاريخ، يتم ترحيل التنبؤات المتكررة بشأن ذروة إمدادات النفط بشكل متكرر إلى المستقبل، وبمستويات أعلى من أي وقت مضى. وكانت توقعات ذروة العرض السابقة بعيدة كل البعد عن الواقع، وقد تم تضليلها من خلال افتراضات خاطئة حول حجم قاعدة الموارد القابلة للاستخراج، والاستهانة بتأثير التقدم التكنولوجي.
وفي عام 2024، يتوقع أن تستمر إمدادات النفط في التوسع، مدفوعة بتحسن الاقتصاد العالمي والتقدم المستمر في التكنولوجيا التي ساعدت على خفض التكاليف وفتح آفاق جديدة وإضافة احتياطيات جديدة. علاوة على ذلك، لا توجد مخاوف بشأن قاعدة الموارد المتاحة، والتي تعتبر كبيرة بالقدر الكافي لهذا القرن وما بعده.
ولا يوجد اليوم حديثا يذكر عن ذروة العرض، حيث تحَول التركيز إلى ذروة الطلب على النفط، مما دفع ببعض المتنبئين "وفق سياسات نظرية " الإقرار بأن النفط لا ينبغي أن يكون جزءاً من مستقبل الطاقة المستدامة. وكما هو الحال مع الجدل الذي دار حول ذروة إمدادات النفط، علينا ألا ننسى الدور الذي يمكن أن تلعبه التكنولوجيات في المساعدة على تقليل الانبعاثات والأهمية العالمية للنفط كمورد آمن ومتاح؟
وقد أشار تقرير "سيتي بنك" لعام 2013 المعنون بـ "نمو الطلب العالمي على النفط - النهاية قريبة"، إلى أن نمو الطلب على النفط قد يصل إلى ذروته في وقت أقرب بكثير مما تتوقعه السوق. ومع ذلك، كان الطلب على النفط في عام 2012 أقل من 90 مليون برميل يومياً، في حين أن الطلب اليوم يزيد عن 100 مليون برميل يومياً. كما تجاوز مستوى الطلب اليوم مستويات ما قبل جائحة كوفيد-19، حيث أشار بعض المتوقعين في بداية الوباء إلى أن مستويات الطلب على النفط لن تتجاوز أبدًا تلك التي شوهدت في عام 2019.
وفي عام 2023، أكدت وكالة الطاقة الدولية أنها شهدت ذروة الطلب العالمي على النفط قبل نهاية هذا العقد، ودعت إلى وقف الاستثمارات النفطية الجديدة. وكان هذا على الرغم من أن الوكالة قبل بضع سنوات فقط سلطت الضوء على أن العالم سيظل بحاجة إلى النفط لسنوات قادمة وشددت على أهمية الاستثمار في هذا القطاع.
واليوم، من الواضح أن ذروة الطلب على النفط لا تظهر في أي توقعات موثوقة وقوية على المدى القصير والمتوسط.
فعلى سبيل المثال، لنأخذ عامي 2023 و2024. نحن نرى في منظمة أوبك، أننا سنشهد نموًا في الطلب على النفط بمقدار 4.7 مليون برميل يوميًا على مدار العامين، وترى ESAI النمو بأكثر من 4 ملايين برميل يوميًا أيضًا، كما تقترب توقعات كل من Rystad and Argus من هذا المستوى. وحتى وكالة الطاقة الدولية تتوقع نموًا قدره 3.4 مليون برميل يوميًا خلال الفترة 2023-2024. ونظراً لاتجاهات النمو هذه، فمن الصعب أن نشهد ذروة الطلب على النفط بحلول نهاية العقد، أي بعد ست سنوات فقط.
وهناك أسباب كثيرة تقف خلف ما ذهبنا إليه بشأن عدم حدوث ذروة الطلب، أولها تراجع الشريحة السكانية التي تفهم بشكل واضح الآثار المترتبة على أجندات سياسات صافي الانبعاثات الصفرية الطموحة وغير الواقعية، وثانيها إعادة صناع السياسات تقييم نهجهم في مسارات التحول في مجال الطاقة، وثالثها نشاط التصنيع الأسرع في البلدان النامية حيث نشهد ظهور طبقة متوسطة أكبر، وثالثها التوسع في خدمات النقل، وآخرها زيادة الطلب على الطاقة والحصول عليها.
ونحن في أوبك نتوقع أن هذه الاتجاهات تتطور بشكل أكبر على المدى الطويل، كما يتوقع ذلك بعض المتنبئين الآخرين. وفي إصدارنا الأخير حول آفاق النفط العالمية لعام 2023، نتوقع أن يصل الطلب إلى 116 مليون برميل يوميا بحلول عام 2045.
وفي نهاية المطاف، يشكل النفط الخام ومشتقاته حضوراً مستمراً في حياتنا اليومية، فهو يجلب منتجات يومية حيوية، ويساعد في تحقيق أمن الطاقة والحصول على الطاقة بطريقة متاحة على نطاق واسع وبأسعار معقولة.
علاوة على ذلك، فإن التحسينات التكنولوجية لا تسمح لنا بإيجاد موارد جديدة فحسب، بل تمكننا من اتخاذ خطوات هائلة في الحد من الانبعاثات، كما يتضح من توافر الوقود النظيف، والكفاءات والتقنيات المحسنة بشكل كبير مثل احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه، إزالة والتقاط الكربون من الهواء مباشرة.
خلاصة القول، إن ذروة المعروض من النفط لم تصل قط، كما أن التنبؤات بذروة الطلب على النفط ستتبع اتجاهاً مماثلاً. فقد تحدى النفط، مرارًا وتكرارًا، التوقعات المتعلقة بحدوث الذروات بالقمم، ويؤكد المنطق والتاريخ على حد سواء إلى أنه سيستمر في القيام بذلك.
كل ذلك يؤكد ضرورة إدراك أصحاب المصلحة للحاجة الملحة إلى الاستمرار في ضخ الاستثمارات اللازمة لصناعة النفط، اليوم، وغدًا، وبعد عقود عديدة في المستقبل.